Home Arabia Felix قراءة في نصوص الشاعرة المغربية “مونيا علالي”

قراءة في نصوص الشاعرة المغربية “مونيا علالي”

1014


Download PDF

بقلم – الاديبة ايمان الناطور

“مونيا علالي” شخصية مغربية رائدة، وهي شاعرة تتمتع بالحس الوطني والقومي و الإنساني، تتمتع بالوعي الواسع ، والثقافة العميقة، تكتب بقلم ماسي، ومداد ذهبي، قصائدها، تتصف بالطول والعمق والأفكار الإبداعية والخلاقة، والصور التعبيرية الرائعة، تصف قيمة المرأة والحب و المشاعر الإنسانية بشكل خاص، والفكر الإنساني والتقدمي بشكل عام، لها نشاطات اجتماعية كثيرة ومركزة ..
وقد أهدتني الشاعرة المغربية الجميلة المقيمة في إيطاليا عدة نصوص شعرية، جعلتني أنبهر بما تكتب، فالشعر في عالم “مونيا” هو رحيق الكلام ولغة الأحاسيس، لا يمكن أن يأتي من هواية أو تطفل، فقد استطاعت أن تشعل لحظة برق قليلة وتترك في داخلي لحظاتِ رعدٍ طويلة. استطاعت “مونيا علالي” أن تبدع الجمال والسمو بالحياة، وفي نفس الوقت تمتلك فن صيانة الذات ومواجهة الظلم والمهانة، استطاعت أن تصوغ عقد لؤلؤ وتهديه لمن يقرأها، هذا هو سر المتعة التي غمرتني وأنا أقرأ نصوص “مونيا علالي”، كلماتها هي عبارة عن ترنيمة غنائية صادقة تولدت من شعور المبدعة ونفسيتها كما أنها تعبر عما يعتمل في خوالجها، فهي بذلك تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي تحسه أو تشعره بجماليته، والأستاذة والمبدعة والشاعرة “مونيا علالي”واحدة من هذه الفئة التي تمتلك أسرار الشعر ومفاتيحه، وقد اجتذبتني من خلال نصوصها بطريقة غير عادية، وقد استوضحت أن هذا الإبداع هو ثمرة مكابدة وجلد استطاعت الشاعرة بواسطته أن تضع قدميها في درب الإبداع فهي لا تكتب الشعر فحسب بل ترسم صور شعرية فريدة ورائعة وتعزف ألحان أنوثتها وعفويتها بكلمات رقيقة وشفافة خاصة عبر نصها الذي أبهرني جماله “عودي شهرزاد للحكاية”
تعتبر مقدمة النص مفتاح لقراءة ما بين دفتيه من قصائد والإبحار فيها، لما يحمله من دلالة عبر متن رائع يزخر بالمشاعر الفياضة والصادقة النابعة من أعماق الوجدان الذي لو ترجم لعدة لغات فسيظل محافظا على رونقه وجماله المؤثر في النفوس، كما أننا نلامس من خلاله على تلك الرقة الأنثوية إضافة إلى القوة والعزيمة التي تؤمن وتصر على انتصار الحق وانقشاع ظلمة الليل والحلم بالغد المشرق، ويتضح من كلمات الشاعرة مدى بحثها واستمراريتها بكل تحدي لبلوغ مقصدها رغم طول الطريق وظلمتها، بحكم أن نصوصها تعتبر نصوص زمان وليست نصوص مكان، وهو ما نستشفه من الكلمات و الومضات التي تفاجئك بين ثنايا النص بطريقة ساحرة يجعلك تظن أن الكلمات هي لعبتها الجميلة ..
” لملم احلامك ايها الغريب
عانقها بعنف
تمتص دفئ حظنك
تشم رائحة آخر عبور
حارب رعشتها
من بردك المعدي
من علقم الشوق
من سم الحنين الباسق
من لحظات وحدة قاهرة
من طول السنين الفارغة
والطوابير الممتدة في السراب…

الى اين تأخذها؟؟؟
امض بها
الى أقرب يم في الحدود
الى أعمق بئر حفرته الأيادي العابرة
احرقها إبان برد كانون السرياني الثقيل
انثر رمادها مع خطاك المتثاقلة
تُذَكِّرُك ممر العودة
واستنشق رائحة الحريق
يجنح إليك النورس
بنصف أمل

لماذا الآن؟؟؟
لماذا الآن تحن وتئن
عارٍ بلا قبعة تقيك تيهك
نصف جسد بربع انتماء
روح بضياع
لا حدود في سقف الأحلام
ريح عارضة ترنو بأجنحتك
ريح ثانية تلوح ببقاياك
يتلاعب بها عمر بلا سنين
ترسمه شعيرات بيضاء
يتوالد بسرعة هذا الشيب بسرعة هذه الريح…

لم تكن في أجساد المقيمين روح حين الرحيل
ولا تباشير لاحت في عتمة
الأمام أمامي
مازال هناك وقت للندم
مزال…
فيه سأعيد فك عقدي الغائرة
واحبو نحو الرجاء
مازال عنادي لم يلفظ أنفاسه
ولا أسلم زمام بركاني
وهيجاني وإيماني…
من حقي أن اتفقد ما تبقى
من الضمير
شيئا فشيئا لأعيش
وسأعيش ..”
يحفل النص هنا بعذوبة ودفق الحياة والحب والجمال بكل صدق، محركا في دواخلنا فيض من المشاعر الإنسانية التي تتداخل في المعاني مكونة حالة وجد وتوق وصور عاطفية بالغة الصدق، رغم الانزياحات القوية التي ترمي لها رمزية المعنى والتي تغوص في الذات الإنسانية والمحلمة بالصراعات والآهات لا تخلو من الأحلام و الحب ..
ومن النصوص التي أبهرتني فيها مونيا و التي مزجت روعة الأسلوب بحسن انتقاء الكلمات نصها :
“ماذا لو…؟

عودي شهرزاد للحكاية…
وانْثري نبضك عند كل رصيف جامد
أَسْمِعي هديلك المتناقض
انْثُري عشقا يعطر الأجواء
يطهر دواخلنا من المشاعر الاليمة…
ها أنا في صلب قدر صامت
تداعبني كلماتي
تلاعبني شروخي
في نزاع يلتهمه ليل لا ذمة له
لا يخجل ان يطوي يومي المكدس بالفراغات والتيه…
وبعضٍ من مناجاةِ حلم
ضائع تائه
في ثوب شبح أعياه الركض…

ماذا لو وهبتني أيها الحلم تعبك!!
لأجعل من تنهدات عيائك أنفاسا
تؤازر أنفاسي فلا يجهدني الشوق…
ماذا لو تنازلت عن بعض من كلل الاحداث حولك!!!
لأجعل من كل قضية شريان دم
يزيد من نبضي
فلا يخيفني غليان دمي
ولا تزحزحني عن دربي حمرته الفائضة…
ماذا لو عَبَرْتَ بأحلامك محيط عمري
و انطفأت داخل فوهات أملي المتجدد…
ماذا لو عانقتني روحا برية
وانصهرت داخل اجوائي!!
علها تحتفي بلحظات من الحاضر المتسلل عمدا…!!
ماذا لو تركت احتساب العمر جنبا
و تحررت من عد السنين الباقية
و الماضي…!!
ماذا لو عدت لتغازلني وأغازلك
في ظل مشاعر عارية من الذنب
وتحت سقف السماء وكل النجوم
كالهواء حولي يستجدي بطيفك.

اتعرف اني أتألم لتعبك !!!
واقف مكتوفة القدرة على انتشالك من ألمك!!!
ساعدني لأخرج من دوامتي
اعطيني قبسا من نور نحيا به معا بعيدا عن كل الغوغاء
اهْرُبْ منك الي…
اختفِ في عيوني العطشى
للأحاديث الطويلة الفارغة
والهرطقات المتكررة
ادخلْ أعماقي واركن في صمتي
دع كل الحروف تسجل حولنا ميلاد معان جديدة…
غير تلك التي تعودتْها مسامعُنا
انشد قصائدي بحرية العاشق المتمرد
دون قوافٍ وأوزان..
اجعلها مجهولة الجنس،
فائضة الحس،
أُرْقُبْ من خلالها الإلهام
يفور من بركان قلب فارغ
يريد فقط ان يخفق فيحتفي ويرقص…
ولربما يحب”
متنقلة هنا من صورة – قصيدة – لأخرى على شكل متواليات، وكأن كل قصيدة لها ارتباط بالقصيدة الموالية أو التي سبقتها، قصائد تجعلنا الشاعرة من خلالها ننغمس بحرارة في الرومانتيكية التي تقوم بمزج العاطفة بالإدراك الجمالي مع السرعة في الإيقاع كما عبر عن ذلك الشاعر الكبير (وردزوبرث) “كيف يمكن للشاعر أن يعلن عن نفسه؟ وما هي لغته؟ ويرد بقوله: إنه إنسان حقيقي، شاعر تلقائي عفوي، يمتلك تلك الروح الإنسانية العميقة نحو الجنس البشري) هذا هو شعر “مونيا علالي”، قصائد مشحونة بالعواطف والانفعالات تنغرس في دواخلنا بشكل تلقائي وعفوي، فهي تمتلك أرتالا من وجدانيات راقية تجعلها مستنفرة تارة في حب الأنا وتارة أخرى في حب لـ (هو)، فهي تتفاعل من خلال قصائدها مع القارئ على أساس وعيه ومعرفته، أكثر من أي شاعر، باعتبار هذا الأخير يجب أن يدرك أنه لا يمتلك المعرفة أكثر من سواه حتى لا تكون هناك فجوات بينه وبين القارئ، وعليه فقد استطاعت “مونيا علالي” تقريب الشكل من المضمون و أن تعطي للقصيدة خصوصيتها التي تشبه العزف على وقع كلمات ذات جرس واحد من خلال القافية التي تستخدمها من حين لآخر على شاكلة القصيدة العمودية، وبلغة سلسة تقرع قلوب المتلقي بعيدا عن التكلف، ممزوجة بموسيقى اللفظ الذي تشي حروفه بصور ممتدة تحمل معناه، وتضيف إليه الحركة.
انه الشوق ليس للحبيب بالمعنى الدلالي وإنما لكل ما هو جميل في هذه الحياة التي أضحت بؤرة لكل المآسي والأوجاع، جاعلة من الشعر مرفأ لها، ومحطة الرجاء، الذي به تستمر الحياة،
ليبقى الشعر وتعلق الشاعرة به في كل محطاتها من هذه النصوص، أهم سمة يمكن أن نلاحظها، باعتبار أنه ترياق شاعرتنا ومفتاح مشاعرها، كما قال الشاعر قاسم الحداد “الشعر يمنح الإنسان مشاعر تتراوح بين الأحلام والأوهام بصورة غاية في الخطورة، وأخشى أنه كلما كثرت المزاعم نذرت الأشعار” وهي التي تقول:
“ذات ليلة باردة المشاعر
افتحي قلبك الضائع لي
فانا عطشان
اسقيني قطرات من الحب
والوجع إن شئت…
جودي بألمك لا تبخلي
هي قسمة ضيزى
انثري من همومك ما فضل
فموازين الألم ثابتة منذ الأزل
كل الأوراق تساقطت
ذات خريف
لم تنبت بعد
حاورني حول فنجان قهوة إيطالية النسيم
وأريجك عطر باريسي
يحملني بعيدا
وحيدا
كلاجئ الى السراب
تبحر به الذكرى في غسق الفناء
علي أجد لجسدي فسحة أمل
ليحلم بلون الورد حلما
من بقايا شروخ متناثرة
فوق اريكة مريحة
لم يعد من العمر بقية
يا ذات القلب العصي
لأطول من هذه الفسحة
فلا تبخلي
وانثري ألمك أملا في حب
وتبخري…
بعده كالسراب
رتبي ما تبقى من أوراق
الكتب الصامدة في جوانب الشوارع
إن اشتهيت…
والقصائد المتكسرة …

الاماكن الفارغة متعبة
باردة
مملة
تضيع فيها العقود والوعود
تنكشف فيها الخيانات
وتتعرى عورات البشر
وتبقين انت وحيدة
حضري لهم ما اشتهيت
من البخور
وباقات الزهور
افرشي لأقدامهم البساط الاحمر للمرور
واعبري معهم
حتى انت متأبطة ذراعا ما
وتذكري اني فقط
من ستجدين
في منتهى البساط الاحمر
بعد العبور
سيبتعدون
سيختفون
سيتابعون الحياة
دونك ودون بقايا الوعد المبتور
نظفي رماد السجائر
المنتحرة بين اناملك
في انتظار آخر العمر
قلبي صفحات الجريدة
حطي آخر كلماتك المتقاطعة
وافرحي ككل نهاية للعبة
عودي اليَّ عودي…
لنتابع دردشات المساء
أو عودي دوني
الى وسادتك الخالية
ابحثي بين تقلباتك عن الحلم
او الكابوس
أو عن روائحي الساكنة فيها
فيكفي ان تتذكري شيئا ذات صباح
ذلك العالم البعيد، فقط فيه سنلتقي
وأرواحنا حرة تعانق
كما تشاء من تشاء.”
لقد قدمت لنا مونيا علالي من خلال نصوصها باقات نرجسية وجميلة من خلجات النفس والروح والذاكرة ونبض الوجدان، ناثرة إياها في قلوبنا التواقة للحب، و التطلع لكل ما هو جميل، بمشاعر خلابة تضخ عبر مفاصل دقيقة لقصائدها، تمنح القارئ صور شعرية تميزت بجمالية فريدة وبإيقاع عذب رغم ما يسري بها من آهات وأحاسيس إنسانية مفرطة تشدو لحنا محملا بالأماني، حين تقف الشاعرة مع هذا الحب الذي يسكنها وهي تبحث عن نبع السعادة من خلال ضرورة انتصار وجه الغضب على المرارات بإنهائها وإزالة مسبباتها، فهي صورة شاعرية لم تخلق لذاتها وإنما لتكون جزءا من التجربة ومن البنيان العضوي في القصيدة

هذا هو شعر “مونيا علالي” جلابيب نسجتها بأناملها الحرفية الدقيقة مختزلة قيم الحب والشوق والحنين والولاء للروح والمكان، ناشرة هويتها بين قلوب الناس بطاقات وشهادات ميلاد جديدة، كزهرة أقحوان فواحة بأريجها ووريقاتها التي لا تنذبل .. ذلك هو شعر “مونيا علالي” التي جعلت منه سبحة أناملها تتعبد بها كلما ضاق صدرها بإكراهات الحياة، شاعرة تبث الأمل وهي تلتقط الحكمة من أبسط الأشياء بمحيطها بأسلوب شاعري رقيق يشد القارئ ويحمله كمنصت مرهف الإحساس إلى عوالمها الخفية ..

Print Friendly, PDF & Email

Autore Redazione Arabia Felix

Arabia Felix raccoglie le notizie di rilievo e di carattere politico e istituzionale e di sicurezza provenienti dal mondo arabo e dal Medio Oriente in generale, partendo dal Marocco arrivando ai Paesi del Golfo, con particolare riferimento alla regione della penisola arabica, che una volta veniva chiamata dai romani Arabia Felix e che oggi, invece, è teatro di guerra. La fonte delle notizie sono i media locali in lingua araba per dire quello che i media italiani non dicono.